الأربعاء، 18 نوفمبر 2009

وفاة الشيخ رئيس الندوي رحمه الله رحمة واسعة

وفاة الشيخ رئيس الندوي رحمه الله رحمة واسعة
رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته ورفع درجته في الفردوس الأعلى، فكان لا شك سيفا بتارا ضد كل من يحاول التخفيف بالسنة أو حاول النيل من جناب الرسول صلى الله عليه وسلم من باب التقليد الأعمى أو من أبواب أخرى، ومؤلفاته رحمه الله شاهد عدل على ما أقول. ومن أهم صفاته أنه كان متواضعاً جدا ومكتفياً بالقليل طوال حياته ، فإنه بعدما وصل إلى الجامعة السلفية لم يغادرها إلى آخر لحظاته مع أن راتبه كان متواضعاً جداً وكان يوصيني عندما كنت موظفاً في الجامعة أن لا أترك هذا الصرح الجميل بسبب قلة الراتب، فإنه رحمه الله ما كان يبالي بالجانب المادي في حياته ، ووقف حياته لخدمة العلم والدفاع عن مسلك أهل السنة والجماعة مسلك أهل الحديث .ومن الجدير بالذكر أنه رحمه الله قد ألّف موسوعة باسم تاريخ اليهود ركّز فيه على الجانب النفسي كما ورد عنهم في القرآن الكريم وقد بلغ حجمه أكثر من 4000 صفحة ، وكان يقول إنه مؤلف فريد في بابه لم ير مثله في اللغة الأردية ولا في العربية، إلا أنه ضاع قبل طبعه، وعثر عليه أحد المقلدة المتعصبين إلا أنه لم يرده إلى مؤلفه، ولم يصرح به، فكان رحمه الله يتمنى أن يطبع هذا الكتاب ولو باسم مؤلف آخر، إلا أن حلمه لم يتحقق حتى وفاته .وبالمناسبة أذكر أن بعض المشايخ الكبار من علماء أهل الحديث زاروا طيبة الطيبة بمناسبة فعاليات الملتقى الثالث لخريجي الجامعات السعودية من قارة آسيا ، فاغتنمنا هذه الفرصة الثمينة وأخذنا الموعد معهم لنجلس ونستفيد من توجيهاتهم القيمة ، فجاء ذكر الشيخ الندوي رحمه الله أثناء الحديث معهم، فطلبنا من فضيلة الشيخ أصغر علي إمام مهدي السلفي الأمين العام لجمعية أهل الحديث المركزية لعموم الهند ومن فضيلة الشيخ عبد الحميد بن عبد الجبار الرحماني مدير مركز أبي الكلام آزاد للتوعية الإسلامية في نيو دلهي ومن الشيخ أحسن جميل عبد البصير أستاذ الجامعة السلفية ببنارس الهند (سابقاً)حفظهم الله فألقى كل منهم كلمة عبروا فيها عن مشاعرهم الحزينة وأبانوا عن جوانب من سيرته الحميدة، والإخوة في طيبة الطيبة سيحاولون تدوين ونشر هذه الكلمات فيما بعد إن شاء الله تعالى.ولا يكون من الإسهاب لو أذكر أن كتابه العظيم " اللمحات إلى ما في أنوار الباري من الظلمات" هو رد ليس على شخص واحد ولا على جماعة واحدة وإنما هو رد للفكرة الكوثرية بأسرها، وهو يعد موسوعة كاملة في الرد على أباطيلهم ولذلك عندما اطلع عليه سماحة العلامة والدنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله رحمة واسعة ، طلب من بعض علماء أهل الحديث في الهند أن تترجم هذه الموسوعة إلى اللغة العربية على الفور، ووعد رحمه الله بتحمل تكاليفه، إلا أن الأمر بقي كما هو ولم يبدأ عمل الترجمة إلى الآن. فالله المستعان. ربما يرجع سبب ذلك إلى أنه رحمه الله لم يستطع أن يكمله ، فإن الكتاب ما زال ناقصاً، قيّض الله من يكمل هذه الموسوعة القيمة.وعندما زرت الجامعة السلفية أخيراً مع أهلي - وهي زميلة لابنة الشيخ رحمه الله أهدى إليها كتابه القيم "سيرة أم المؤمنين خديجة الكبرى رضي الله عنها"، بتوقيعه.فجزاه الله عن أهل السنة والجماعة خير الجزاء بما قدم في الدفاع عنهم من خدمات جليلة.أشكر زميلي وصديقي الحميم الأخ عبد العليم على هذه المبادرة الطيبة ، كثر الله أمثاله.
وأشار رحمه الله إلى بعض مؤلفاته إلا أنني لا أعرف هل طبعت أم لا ، فإنه ذكر في كتاب سلفي تحقيقي جائزة (إطلالة سلفية على مؤتمر حفظ السنة) في صـ 5: أنه ألّف كتاباً في معنى قول الله تعالى : (وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا) يونس 19.جمع فيه الآيات الواردة في هذا المعنى، وأفاض الكلام فيها مستنداً إلى الوقائع التاريخية منذ آدم عليه السلام.وأشار إلى مؤلف آخر في نفس الصفحة باسم : " الأديان والمذاهب" ، وذكر فيه (كما ذكر في إطلالة صـ5) أن الدين كان واحداً إلى عشرة قرون وإن سموه بأسماء عديدة منها : الإسلام، الصراط المستقيم، دين قيم، أمة واحدة، مذهب أهل الحديث وغيرها.
ومن مؤلفاته إضافة إلى ما ذكره الأخ الفاضل عبد العليم وفقه الله :سيرة آدم عليه السلام: حقق فيه المؤلف ما ورد عنه في القرآن والسنة مع المقارنة بما ورد عنه في كتب أهل الكتاب بعد غربلة النصوص في ميزان أهل السنة والجماعة، ومما ذكر فيه - رحمه الله - أن آدم عليه السلام كان نبياً و رسولاً وأنزل عليه الصحف ، وأنه عندما أنزل إلى الأرض كان نزوله في أرض الهند بإجماع اليهود والنصارى، وما إلى ذلك من النتائج المهمة.إطلالة سلفية على مؤتمر حفظ السنة : الذي أقامته جمعية علماء الهند (الديوبنديين في العصر الحاضر وإلا كانت فكرة إنشاء هذه الجمعية من قبل علماء أهل الحديث وهم الذين أسسوها و ساعدوها ماديا ومعنوياً ، واليوم لا أحد يعرفهم فـ- حسبنا الله ونعم الوكيل-)، ( واسم الكتاب باللغة الأردية : ديوبندي تحفظ سنت كانفرنس بر سلفي تحقيقي جائزة ، ويقع في 837 صفحة)، وكان هدف هذا المؤتمر صيانة كيان الديوبندية والرد على السلفيين باسم حفظ السنة، ويظهر هذا جلياً من خلال البحوث المقدمة إلى هذا المؤتمر، فما كان منهم إلا إثارة العامة ضد السلفيين ورميهم بالخوارج والروافض وإخراجهم من الإسلام بتكفيرهم ، وإلصاق التهم بهم بأسلوب عامي ركيك لا يليق بالطالب فضلاً عن المشايخ وأصحاب العمائم الطويلة، لكن قديماً قيل (حبك الشيء يعمي ويصم).ولم يقم أحد من جماعة أهل الحديث للرد على ترهاتهم ، ولم يبالوا بتهمهم تمشياً مع قول الله تعالى : (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) ، إلا أنهم عندما رأوا أن هذه البحوث طبعت ووزعت بين العامة بأسعار زهيدة لكي تصل إلى أكبر عدد ممكن من العوام. طالب بعض العلماء من الشيخ الندوي رحمه الله الرد عليهم مع أنه رحمه الله كان مريضاً ملازماً للفراش معتذراً من القيام به لظروفه الصحية، إلا أنهم ألحوا عليه بحجة أنه - رحمه الله- هو الذي يستطيع أن يقوم بهذه المهمة ، لأن الديوبنديين لا يتكلمون بدليل الكتاب والسنة وإنما يحبون الاستدلال بالمنطق وعلم الكلام وإلزام الحجة بطرقهم الكلامية وهذا لا يجيده إلا من عرف مداخلهم ومخارجهم ، فاضطر الشيخ رحمه الله إلى استجابة هذا الطلب وكتب رداً مفصلاً أوضح فيه دسائسهم ومغالطاتهم، وبيّن الصواب في القضايا المبحوثة. فجزاه الله عن أهل السنة والجماعة خير الجزاء.
ومن مؤلفاته المطبوعة إضافة إلى ما سبق:غاية التحقيق في أيام التشريق : وهو رد على من يقول إن آخر أيام التشريق هو اليوم الثاني عشر.ضمير كا بحران ( أزمة القلب الواعي) : وهو كتاب في الرد على من قام بالرد على كتاب "حقيقة الفقة للشيخ السلفي يوسف جي بوري" من البريلويين، وكتاب حقيقة الفقه ألفه الشيخ يوسف لبيان حقيقة فقه الديوبنديين السائد في شبه القارة الهندية ، وجمع فيه المسائل المتعارضة صراحة بنصوص الكتاب والسنة والمعارضة للعقل السليم والفطرة ، ولم يكتب شيئاً من تلقاء نفسه وإنما طريقته فيه ذكر المسائل والإحالة إلى مصادرهم الأصلية بذكر طبعاتها وأرقام صفحاتها من غير تعليق. مضى على تأليف هذا الكتاب عدة عقود لم يتجرأ أحد من الديوبنديين أو البريلويين الرد عليه . وفي الآونة الأخيرة حاول بعض البريلويين الرد عليه وذلك باتهام المؤلف بعدم الأمانة في النقل وذكر أن الإحالات غير صحيحة ولا توجد في المواضع المحالة إليها تلك المسائل التي أوردها المؤلف في كتاب حقيقة الفقه وبالتالي فإن الشيخ يوسف نسب إليهم ما لم يقولوه زوراً وبهتانا. فمن هنا جاءت فكرة هذا الكتاب ، فقام الشيخ الندوي وأورد تلك المسائل مرقمة مع بيان صحة الإحالات من تلك المصادر. وبيّن تلبيسات المؤلف البريلوي في رده على الشيخ يوسف.
حياك الله أخي الفاضل زياد بارك الله في جهودك وعنايتك بعلماء السلف. أخي الكريم قرأت في مشاركتك ما نصه:"... وقال لي إنه كان سيُطرد من الجامعة لسلفيته، ولكن شيخه المذكور شفع له وتدخل لإبقائه، وقال لي: كان يحبني ويقدّمني."فأريد توضيح هذه القصة الممتعة، هذه القصة تتعلق بأيام كان الشيخ فيها طالباً في ندوة العلماء بلكنئو ، والشيخ رئيس الندوي في بداية الأمر كان بريلوياً كما أفادني بذلك الشيخ أصغر حفظه الله، ثم بعد التحيق انتقل إلى الديوبندية ثم لما نضج علمه وركز عنايته بقراءة كتب السلف تحوّل إلى السلفية بتوفيق من الله ومنه، وبعد ذلك بدأ يكتب في تقرير مذهب السلف والرد على من خالفهم في العقائد أو في المعاملات أو في العبادات ، ولم يتوان في سبيل ذلك ، ولم يكترث بأحد كائناً من كان، فحدث مرة أنه ألف رداً على الشيخ عامر العثماني الذي كان يصدر مجلة شهرية باسم "تجلي" من الديوبند، وكان رحمه الله من كبار علماء ديوبند، فأحدث هذا الرد ضجة كبيرة في أوساط الديوبنديين وفي ندوة العلماء خاصة، والشيخ تعرّض للأذى من قبل زملائه في الغرفة ، فإنهم أغلقوا عليه الباب وضربوه بالعصي. وذكر لنا الشيخ أصغر أسماءهم أيضاً إلا أنني لا أحب ذكر أسمائهم لأن علاقة الشيخ بهم كانت فيما بعد علاقة الصداقة والود فإنهم نسوا ما حدث منهم أثناء طلبهم العلم، فلا ينبغي أن نذكرهم في هذا السياق، ولم ينته الأمر على ذلك فإنهم فصلوه من الندوة ( والشيخ أبو الحسن الندوي ما كان موجوداً في لكنئو في تلك الأيام) إلا أنه رجع قبل مغادرة الشيخ رئيس لكنئو ، ولما علم الشيخ أبو الحسن رحمه الله ما حصل وما حدث طلب الشيخ رئيس وقال له إن مثل هذا الرد لا يلائم طبيعة ندوة العلماء ومنهجها، فلا تورط نفسك في مثله وألغى قرار فصله، ولم ينس الشيخ رئيس هذا المعروف من فضيلة الشيخ أبو الحسن طوال حياته ، فكان يوقره توقيراً بالغاً ، وكذلك كان الأمر من الشيخ أبو الحسن رحمهم الله جميعاً. إلا أن الشيخ رئيس لا يمنعه هذا التواضع والتوقير من الرد على المسائل التي يراها قابلة للرد. اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم.