الجمعة، 3 أغسطس 2012

كلمة حول التوسعة المقترحة للمسجد النبوي والتوسعة الموجودة في المسعى فضيلة الشيخ عبد المحسن العباد البدر حفظه الله

بسم الله الرحمن الرحيم

كلمة حول التوسعة المقترحة للمسجد النبوي والتوسعة الموجودة في المسعى

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد؛ فقد اطلعت على مقال للشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع حفظه الله نشرته صحيفة الرياض في 20/8/1433هـ تحت عنوان: ((التوسعة من الجنوب أولى))، أشار فيه إلى أمر خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله بتوسعة المسجد النبوي من الجهتين الشرقية والغربية، واقترح فيه أن تكون التوسعة من الجهة الجنوبية لمبررات ذكرها، وإني لأضم صوتي إلى صوته فأؤيد هذا الاقتراح للأسباب التي أوضحها، ويضاف إلى هذا الاقتراح أن تكون الزيادة من الجنوب زائدة على الساحة الأمامية، وأن يزاد من الجهة الغربية، وأن يكون التأسيس لهذه الزيادات متحملاً لبناء دور أو أكثر مع خلو البناء من القباب التي لا يمكن معها امتداد البنيان في العلو، وأن يكون الجدار الشرقي للمسجد النبوي في الزيادة الجنوبية محاذياً لنهاية الروضة من الجهة الشرقية فتكون المساحة الواقعة بين هذا الجدار الشرقي والبقيع خالية من العمران، وقد كتبت كلمة بعنوان: ((مسألتان مختصتان بصلاة العيد في المسجد النبوي الشريف)) نشرت في 8/8/1433هـ، قلت في المسألة الأولى وهي أهمية الاستفادة من الساحة الأمامية في المسجد النبوي في صلاة العيد: ((يوجد في المسجد النبوي داخل أسواره وأبوابه من الجهة الأمامية ساحة واسعة يبلغ عرضها من الغرب إلى الشرق خمسمائة متر تقريباً في الصف الواحد فيها على أقل تقدير ألف مصلٍّ، تتسع لعشرات الآلاف من المصلين ولا يستفاد منها في صلاة العيد لأنها تقع أمام الإمام، مع أنه يحضر لصلاة العيد أعداد كبيرة يمتلئ بهم المسجد وساحاته الأخرى، بل ويصلون في الشوارع من الجهات الثلاث الغربية والشرقية والشمالية، وتمتد الصفوف في الشوارع إلى مسافات كبيرة من الشرق والغرب، ومن المناسب جداً أن يتقدم الإمام في صلاة العيد إلى أول الساحة الأمامية للأمور التالية:

1ـ تمكين عشرات الآلاف من المصلين من الصلاة في المسجد بدلاً من صلاتهم في الشوارع.

2ـ أنه صُرف مليارات الريالات لنزع الملكيات في هذه الساحة التي بقيت حتى الآن عشرين سنة تقريباً معطلة لا يستفاد منها منذ وجودها ضمن التوسعة الواسعة للمسجد النبوي في عهد الملك فهد رحمه الله.

3ـ أن في الاستفادة من هذه الساحة في صلاة العيد تطبيقاً في الجملة لسنة صلاة العيد في المصلى الثابتة في الصحيحين وغيرهما.

ولا يقال: إنه إذا تقدم الإمام في أول هذه الساحة الأمامية يكون قبر الرسول صلى الله عليه وسلم واقعاً بين صفوف المصلين؛ لأن ذلك حاصل في جميع الأوقات، فإن الناس يصلون أمامه كما هو حاصل في الزيادة الأمامية داخل المسجد التي فيها الإمام وستة صفوف أو سبعة أمام القبر والروضة، وكذا من الجهة الشرقية،وتمتد الصفوف في صلاة العيد في شرق المبنى القديم الذي فيه القبر، والصلاة الواحدة فرضاً أو نفلاً في المسجد النبوي وساحاته خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام سواء في ذلك ما كان قبل دخول القبر في المسجد في أثناء عهد بني أمية أو بعده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)) رواه البخاري (1190) ومسلم (3374)))، ولا شك أن الأخذ بهذا الاقتراح الوجيه من الشيخ عبد الله بن منيع فيه الاستفادة في جميع الصلوات من هذه الأرض الواسعة التي لا يستفاد منها لأنها واقعة أمام الإمام، وقد ختم الشيخ مقاله بقوله: ((أتمنى من والدنا وحبيبنا المفدى خادم الحرمين الشريفين عزمة من عزماته الجريئة المخلصة كعزمته المباركة في توسعة المسعى والتي صارت الإشادة بها محل إجماع إلا من شذ، أتمنى أن ينقل إرادته الملكية من التوسعة من الجهتين الشرقية والغربية إلى الجهة القبلية الجنوبية ويكون بذلك أول من أخذ بسنّة أمير المؤمنين عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ فقد وسع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجهة الجنوبية قبلة المسجد ولم يكن من أصحاب رسول الله معارضة، وقد أُمرنا معشر المسلمين باتباع سنّة خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده والله المستعان)).

وأقول بمناسبة ما ذكره من الإجماع والشذوذ في مسألة المسعى: سبق أن كتبت كلمة بعنوان: ((بهذا يحصل الاطمئنان لصحة السعي في التوسعة الجديدة للمسعى)) نشرت في 15/3/1429هـ جاء فيها ما يلي: ((فقد اطلعت على ما كتبه الأخ الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع، عضو هيئة كبار العلماء عن الزيادة الجديدة في المسعى الذي نشرته صحيفة الجزيرة في عددها (12953) في 8/3/1429هـ، وقد ذكر أنه سئل عشرات المرات عن السعي في المسعى الجديد الذي أمر بإنشائه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله، وأنه استخار الله في الإجابة عن ذلك، لاسيما والمسألة الآن صارت محل أخذ ورد واختلاف في الفتوى بين منع وإجازة مما أوجد بلبلة وقلقاً واضطراباً بين عموم الناس، وذكر أنه كان ممن يرى عدم توسعة المسعى، وأنه قامت البينة العادلة من سبعة شهود يتبعهم ثلاثة عشر شاهداً يشهدون بمشاهدتهم جبل الصفا ممتداً امتداداً بارتفاع مساو لارتفاع الصفا حاليا وذلك نحو المشرق إلى أكثر من عشرين متراً عن جبل الصفا الحالي، وكذلك الأمر بالنسبة لجبل المروة، وشهادتهم صريحة في امتداد الجبلين ـ الصفا والمروة ـ شرقاً امتداداً متصلاً بارتفاعهما، وأنه لذلك رجع عن قوله بعدم جواز التوسعة إلى القول بصحة السعي في التوسعة الجديدة لوقوعها بين جبلي الصفا والمروة، بعد ذكر هذا التلخيص من كلام الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع، أقول: إني أتمنى أن يثبت امتداد جبلي الصفا والمروة شرقاً بمقدار التوسعة الجديدة لأن الواجب هو السعي بين الصفا والمروة سواء في ذلك ما كان موجودا من قبل وما زيد عليه مما يكون بين الجبلين، وكون المسعى القديم هو الذي يسعى فيه الناس من قديم الزمان لا يمنع من السعي في الزيادة الجديدة إذا ثبت وقوعها بين جبلي الصفا والمروة؛ لأن الناس فيما مضى لم يكونوا بحاجة إلى السعي في غير المسعى القديم، والآن وفي هذا الزمان هم بحاجة إلى هذه التوسعة)).

ثم بعد ذلك كتبت كلمة بعنوان: ((كلمة أخرى في توسعة المسعى)) نشرت في 6/6/1429هـ جاء فيها: ((فقد سبق أن كتبت كلمة بعنوان ((بهذا يحصل الاطمئنان لصحة السعي بالتوسعة الجديدة للمسعى)) ذكرت فيها أن السعي إنما يكون في المسعى القديم وأنه لا يجوز السعي في التوسعة الجديدة إلا إذا ثبت امتداد جبلي الصفا والمروة شرقاً بمقدار هذه التوسعة، وبعد كتابة هذه الكلمة قامت الصحف بنشر مقالات وتصريحات كثيرة لمن يُعرف ومن لا يُعرف، فلذلك أحببت التنبيه إلى أمور:

الأول: أن هذه المقالات والتصريحات جمعتها إحدى المجلات، وقد اطلعت على كثير منها، وكلها تأييد لهذه التوسعة، وقليل منها يقول: إنها داخلة بين الجبلين، وكثير منها ليس فيه الإشارة إلى تقييد التوسعة بكونها بين الجبلين، وإذا ثبت بالبينة العادلة أن التوسعة الجديدة داخلة بين جبلي الصفا والمروة فإن السعي فيها صحيح، وإذا لم يثبت فإنه لا يصح؛ لأنه سعي ليس بين الصفا والمروة.

الثاني: جاء في بعض تلك المقالات والتصريحات أنه صدر صك من محكمة مكة يشتمل على شهادة شهود من كبار السن يشهدون بامتداد جبلي الصفا والمروة شرقاً بمقدار هذه التوسعة أو أكثر، وقد اطلعت على صورة الصك وليس فيه إثبات شهادات، بل اشتمل على تدوين إفادات لسبعة مواليدهم بين 1349هـ و1361هـ، أولهم لا يذكر شيئاً عن امتداد الجبلين شرقاً، وثالثهم لا يحدد امتداد المروة شرقاً بالمتر، وخامسهم لا يعرف شيئاً عن امتداد المروة، والشهادات المعتبرة هي التي يثبتها القاضي بناءً على ثبوت عدالة الشهود، والمشهود به أمر خطير يتعلق بعبادة عظيمة هي ركن من أركان الحج والعمرة، والواجب على كل شاهد ألا يتقدم بشهادة في ذلك إلا بعد تحققه وجزمه بمشاهدة امتداد جبلي الصفا والمروة شرقاً بمقدار هذه التوسعة، ومن التساهل البيِّن أن ينوَّه بشهادة الشهود في هذا الصك مع عدم تضمنه ثبوت الشهادات بتزكية الشهود، ومع وضوح أن ثلاثة منهم لا يعلمون شيئاً عن امتداد الجبلين أو أحدهما شرقاً أصلاً أو بمقدار التوسعة))، ثم ذكرت ثمانية تنبيهات على ما جاء في تلك المقالات والتصريحات.

وأقول بعد كل ما تقدم: إن الحاجة لا تزال داعية إلى صدور صك بإثبات شهادات معتبرة شرعاً يتضمن أن التوسعة الجديدة داخلة بين جبلي الصفا والمروة بمشاهدتهم ذلك قبل تسوية الأرض شرق الصفا والمروة الحاليين عند بناء المسعى القديم، وقد بلغني أن لدى المحكمة العامة بمكة توجيهاً من خادم الحرمين حفظه الله لإثبات ذلك، وإن الأمل عظيم أن يصدر قريباً صك بإثبات أن الزيادة الجديدة للمسعى داخلة بين جبلي الصفا والمروة ليحصل الاطمئنان إلى صحة السعي في التوسعة الجديدة، ويخشى أن يترتب على تأخير صدور صك بذلك موت أصحاب الشهادات قبل إثبات شهاداتهم، ولم يحصل السعي مني وممن تحت ولايتي الخاصة فيما أعلم إلا في المسعى القديم وإذا ثبت شرعاً امتداد جبلي الصفا والمروة شرقاً بمقدار المسعى الجديد سعيت فيه.

وأسأل الله عز وجل أن يجزل لخادم الحرمين الملك عبد الله حفظه الله المثوبة على ما فعله ويفعله من إنجازات عظيمة في المسجد الحرام والمشاعر والمسجد النبوي، وأن يوفق المسلمين جميعاً لما فيه صلاحهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، إنه سميع مجيب.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

15/9/1433هـ،

عبد المحسن بن حمد العباد البدر